الذئب الذي يريد أن يفترس أحلامي… حسبنا الله
الوقت: الساعة الواحدة صباحاً..
يرن الهاتف..
_السلام عليكم..
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
_هل أنت الأخت…
_نعم..
_آسفة الوقت متأخر… لكن أرجوك ساعديني..
ثم أجهشت بالبكاء..
_لا عليك يا أختي, على الرحب ..خيراً إن شاء الله؟؟
_لا أعرف من أين أبدأ… ولا كيف أنتهي.. فأنا في مصيبة..
_هوني عليك.. فما من مشكلة إلا ولها حل – بإذن الله تعالى -..
صمتت قليلاً وهي تغالب بكاءها.. وضبط أنفاسها للحديث مجدداً..
وقالت:
_هذه السنة الأولى لي بالجامعة..
_نعم.
_وكانت أمنيتي أن ألتحق بقسم كذا..
لكن أغلقت المجموعات فاضطررت إلى أن ألتحق بقسم شرعي, أملاً في التحويل فيما بعد..
_وفقك الله..
_لكن المصيبة الآن.. أشعر بثقل هذا القسم.. فأنا لا أستحق البقاء فيه.. وأريد التحويل منه بسرعة..
_حولت أم لم تحولي, فأنت في كلا القسمين مسلمة ولكِ هوية!
ثم عاودت البكاء وصمتت ملياً..
_ والله أنا ضحية ليس لي ذنب فيما حدث.. هن السبب..!!
_هدئي من روعك وتحدثي بكل هدوء وأريحية.. وإن كان الوقت لا يناسبك.. فأنا موجودة في كل وقت..
_هذه الفرصة المناسبة.. فالكل نائم.. وكنت أتحين نومهم لأبث لأحد ما مصيبتي..
_لا تهولي الأمر وكل شيء له حل بإذن الله تعالى..
_لأن أهلك لم يفعلوا ما فعله أهلي تقولين هذا الكلام.. لأنه لم يحدث معك ما حدث معي..!!
وأختلط صوتها بالبكاء مجدداً..
_أخشى إن أكملت سُمع صوتي وشكوا أني أكلمه مجددا.. لكن ” ممكن طلب “؟؟
_تفضلي.
_أريد أن ألتقي بك غداً.. في مكان كذا.. عند الساعة كذا.. هل توافقين..؟؟
_بكل سرور.. لكن في الوقت ذاته لدي محاضرة! أليس هناك موعد آخر؟؟
_سأنتظرك طوال اليوم.. المهم أن تساعديني بأقرب وقت..
_هل يناسبك وقت كذا؟؟
_نعم يناسب.
_إذاً سيكون عنده لقاؤنا بإذن الله.
شكراً جزيلاً، وآسفة على الإزعاج..
_أبدًا، حياك الله في كل وقت..
ذهبت إلى مكان اللقاء.. ورأيت صاحبتي..
نظرت والدمع في أحداقها.. ثم قالت:
_أنا هي.
_حياك الله يا أختي، وإن كنت مازلت أجهل اسمك..
_اسم على غير مسمى!!
_قبل أن نتحدث رجاء.. دعي عنك عبارات التذمر..!!
_كيف حالك؟؟
_ ((شر، والحمد لله))!!
_سأجلب لكِ ما تشربين..
_يا أختي أنا في مصيبة.. لا أعرف كيف حلت بي ولا كيف وقعت فيها..
_وأنا أتيت لأستمع إليك.. تحدثي بما شئت.. ” وثقي بي “
_لولم أكن أثق بك لما خصصتك دون صديقاتي..
_إذاً، الحمد لله، تفضلي..
_أنا من عائلة محترمة جداً.. وثرية.. ومعروفة..
لدي إخوة وأخوات يكبرونني بكثير..
كل أخواتي متزوجات.. وإخواني متزوجون.
أنا الوحيدة والصغرى بالبيت.
كل ما أريده موجود.
لدي سيارة خاصة..
ولدينا خادمة..
ولأني التحقت بالجامعة.. كوفئت بالجوال..
أما اليوم.. فأنا حرمت من كل هذه النعم.
إذا أتيت إلى الجامعة.. فأمي برفقتي..
وإذا نمت نامت معي في غرفتي.
لم يعد لي جوال.
ولم أعد أخرج لأعز الصديقات.
الكل يزدريني وينتقصني.
إخوتي الكبار.
الإناث يشمتن بي..
والذكور لا يكلمونني, وبعضهم يتهددني بالفصل من الجامعة..
فقدت الحب والحنان.. حتى من أقرب الناس..
جفوني وقاطعوني.. ولم يفهموني ولم يصدقوني..
حلفت بالله.. فلم يصدقوا.. بكيت أمامهم فلم يهتموا..
ماذا أفعل؟؟
فكرت في الانتحار.. فشربت سائل الغسل ((كلوركس))
لم أفلح.. فقد تم إسعافي ونقلي إلى المستشفى..
أعيش في سجن روحي.. قبل أن يكون سجناً خارجياً.
انزويت على نفسي.. ومنع مني الإنترنت.. أصبح الجميع لا يثقون بي…
ثم أخذت تبكي ملياً، وعاودت الحديث:
جربت كل الحلول.. ولم يبقَ سوى حل واحد.. سأقدم عليه.. وليكن ما يكون
وهو؟
_سأهرب من البيت!
_جننت؟؟!!
_هذا هو الحل الوحيد.. فأنا بعين أهلي مجرمة.. ولا أحد يهتم بي ولا يصدقني.. والموت لا يأتي.. فماذا أفعل؟؟
_إلى الآن لم أعرف سبب هذه المشكلة.. ما الذي أوصلك إلى هذه الحال؟؟
_صديقاتي.
_كيف؟!!
عندما التحقت بالجامعة.. كنت كالبلهاء…!!
لا أعرف أحداً.. ولم أتعرف على أحد!!
كنت أصدق كل وجه أراه.. وأنظر بإكبار لبنات الجامعة.. وأتمنى أن أصل إلى مستواهن بأقرب وقت..
وفي ذلك اليوم
تعرفت علي فتاة من قسم آخر.
فارتحت لها.. وقضينا وقتاً ممتعاً..
تحدثنا فيه عن آمالنا وطموحاتنا.. وأحاديث أخرى..
مرت الأيام وعلاقتي بها تزداد كل يوم.. وتعرفت على صديقاتها أيضاً..
عرفت عني كل شيء.
وعرفت عنها كل شيء من منظوري.. لكن الحقيقة لم أعرف عنها كل شيء!!
إلى هذا اليوم..
ثم تابعت:
كنت أقلب صفحات الإنترنت..
فإذا بهاتفي يرن..
رددت
فإذا هو شاب قال لي: أنت فلانة؟!!
أغلقت الخط في وجهه.
وخفت خوفاً شديداً.. من هذا؟؟.. وكيف عرف اسمي؟؟.. وماذا يريد؟؟
عاود الاتصال, ولكني لم أجبه وأغلقت هاتفي..
ظل يكرر الاتصال في اليوم أكثر من مرة..
ومن عدة أرقام!
لمدة أسبوع، تزيد أو تنقص..
وفي هذا اليوم الذي قررت أن أرد عليه لأعرف ماذا يريد
قال لي بأنه يعرف عني كل شيء
وصورتي معه
أغلقت الخط في وجهه وأخذت أبكي
من هذا؟ وكيف وصلت إليه صورتي؟.. وهل صحيح ما يقول أم أنها مكيدة!!
أخذ يرسل على الجوال الرسائل تلو الرسائل..
صارحت صديقتي، علها تفيدني بحل!
أظهرت تعاطفها الذي كنت أشك فيه!
فقد راودتني الشكوك حولها.. لكن لم تكن هناك بيّنة عليها لأجزم بأنها هي السبب
وظل ذاك المتسلط يزعجني برسائله.. وتهديداته أحياناً.. يريد مني أن أكلمه..
ولكن أبيت، وفي الوقت نفسه خشيت أن أصارح أهلي.. وفكرت في تغيير الشريحة وقطع
صلتي بصديقاتي الجدد.. ويعلم الله أني كنت صادقة..
لم يخطر ببالي ما فكر فيه أهلي..
_وكيف علم أهلك بالأمر؟؟
خرجت في يوم من الأيام لبيت خالتي.. وبالمصادفة كان جوالي مع أختي الكبرى
وكنت حريصة كل الحرص ألا يكون جوالي مع أحد.. ولكن…
رن الهاتف, فردت أختي, فسمعت ذاك الشاب يقول لها فلانة.. أي ينادي باسمي.. فاستدرجته وقالت: نعم.. ولست أدري ماذا أخبرها وماذا ردت عليه..!!
وما إن عدنا إلى البيت إلا وفوجئت بتصرف أختي الكبرى أمام أمي وباقي أخواتي وهي
تقول:
هذه الجامعة وما تنتجه!
هنا أصبت بمقتل وشعرت أن خلف قولها أمراً..
تصدقين يا أختي أنها لم تسألني حتى… من هذا؟؟
ذهبت وأخبرت أختي الأخرى
هبي أني كنت فعلاً على صلة بهذا الشاب, ويعلم الله أني بريئة..
لماذا لا تنصحيني..؟؟
لماذا لم يحاولن التقرب مني؟؟
انظري ماذا فعلن:
أتين لي بداري كالجنود, وقلن لي: إن لم تصارحينا بكل شيء سنخبر إخوتي بكل شيء عن علاقتك بهذا الشاب!
صدمت! وقلت لهن: كيف تشكون بي, وكيف وكيف؟؟..
لكن بلا جدوى! أخذن يهددن ويردن معرفة التفاصيل..
فأخبرتهن أني لا أعرفه ولا أعرف عنه شيئاً… وذكرت لهن محاولاته المتكررة الاتصال بي..
لم يصدقنني، وأخذن يرمين الأسئلة علي:
لماذا لم تخبرينا؟؟ ونحن نتصرف؟؟
وكيف عرف اسمك؟ وقسمك… وووو…
بكيت أمامهن, وحلفت لهن بالله أني لا أعرفه… ولا أعرف من أي وادٍ حذف علي..
هددنني, وأخذن جوالي.. بأسلوب ما كنت لأتوقع أن يصدر من أخواتي العاقلات الفاهمات مربيات المستقبل!!..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد
بدأت تدور في عقولهن الشكوك والظنون.. إلى علاقتي داخل الجامعة, كيف هي ومن هن
صديقاتي..؟؟
والفاجعة التي ما حسبت لها بالاً!!
فوجئت ونحن في مجلسنا العائلي الأسبوعي, بحضور جميع إخوتي.. قالت إحداهن لإخوتي: انتبهوا لأختكم!!
فهي على علاقة بشاب…!!!!
أما أنا,, فكأن صاعقة نزلت على رأسي…!!
لم أتصور أن يحدث من أخواتي هذا الفعل على الإطلاق…
ولكِ أن تتصوري ما فعل إخوتي..!!
أما كبيرهم… فكاد أن يموت.. فهو مريض..!
وأما أصغرهم… فقطع علاقته بي إلى يومك هذا..!
وأما أمي المسكينة… فلا تسألي عن حالها… فباكية ليل نهار
وها هو حالي اليوم… مضيق علي في كل شيء..
وخسرت كل شيء..
خسرت إخوتي وثقتهم بي, خسرت نظرتهم لي, فقد كانوا يتحدثون عني وعن القسم
الشرعي الجديد الذي التحقت به..
والذي أنا اليوم في نظرهم يخالف حالي هذا القسم, والحق أنهم كانوا فخورين بي,
وبخاصة أخي الأكبر..
ثم صمتت وقتاً طويلا ً… وقالت:
هذا كل شيء… ولم يعد بيدي أي شيء… الهرب إلى المجهول هو الحل.. لكن قلت قبله: أكلمك فربما أجد لديك الحل..
_حسناً! لن أجيبك من البداية.. فأنا أجزم بأنك أدركت معنى حسن انتقاء الصديقة وعدم الثقة بكل من هب ودب..
ولن أحدثك عما كان ينبغي عليك فعله عندما اتصل بك هذا الشاب… فأنا على يقين الآن أنك تتمنين عودة الزمن للخلف لتفعلي ذلك..
لكني سأخبرك
أنك بنعمة.. وإن كان الأصل بلاء..!!
ألم تسمعي قول الحق جل وعلا: {… وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(البقرة:155-156).
طرقت كل الأبواب.. وسلكت كل السبل لحل مصيبتك.. إلا باباً واحداً لم تقرعيه…
باب من يجيب المضطر إذا دعاه.. ويكشف السوء
باب من لا تغيب عنه غائبة.. ولا تعجزه في الأرض ولا في السماء بلية..
أين دعاؤك؟؟ أين مناجاتك؟؟ أين انطراحك في السحر لمن يسمع همسك ونجواك؟؟
فنصيحتي الأولى لكِ.. أن تقوي ثقتك بربك.. وأن تصبري وتحتسبي.. فهذا أهم جانب ينبغي أن تقويه وتقبلي عليه..!!
ثانياً: دعي عنك اليأس والاستسلام لهذه المشكلة..
من الغد, اتصلي بإخوتك أو أحدهم.. واستدعيه للمنزل.. واشرحي له ما حدث معك بالتفصيل..
ثالثاً: الانتحار، والهرب من المنزل, ليست هذه حلول يؤخذ بها مهما عظمت المصائب.. فأهلك لم يضيقوا عليك ولم يشددوا إلا حبا لكِ وخوفاً عليكِ.. لست رخيصة حتى يتركوكِ أو يهمشوك!!
وما تشاهدينه من صد وإعراض, ما هو إلا حباً وخوفاً وحزناً وألماً،
وإن كنتِ أبعد ما تكونين في الواقع عن مثل هذه الأمور..!!
واعلمي أنه لا أحد أحرص عليك من أهلك…!
وإن أخطأت أخواتك في الأسلوب…
فما هكذا تؤخذ الأمور الحساسة إطلاقاً..
.. ولكن تذكري: أنهم في النهاية أهلك! وهم أحرص عليك منك..
***
(2)
وفي أثناء الحديث قالت أختنا:
_وهل أنا السيدة عائشة كي تنزل براءتها من السماء؟؟
_استغفري الله، وهل يعجز ربنا سبحانه عن ذلك؟؟
_أستغفر الله، لكن مشكلتي عظيمة وأخشى أن ينتشر الخبر في كل العائلة..
_أحسني ظنك بربك، ثم إن إخوتك أحرص عليك من نفسك.. فأنت قبل أن تمثلي ذاتك تمثلينهم..
_والدليل فعل أخواتي, والله لا أثق بهن بعد اليوم!!
_أنا معك أنهن أخطأن في الأسلوب.. لكنهن في النهاية يردن مصلحتك
_آسفة، أخذت من وقتك.. وكلامك على العين والرأس، لكن ادعي لي.
_قد لا أكون وفقت بشكل كامل بالحل الذي يريحك.. لكن صدقيني.. ليس هناك سلاح أقوى من مواجهة الواقع بكل صبر ويقين بفرج الله تعالى..
بصراحة: أنا مقصرة جداً مع الله، وربما ابتليت بسبب ذنوبي.. لكن أعدك بأن أصلح أوضاعي..
_ أصلحنا الله جميعاً، فكلنا مقصر!
_أراك على خير، ولا تنسينا من صالح دعائك ِ
===
افترقنا بعد هذا المجلس.. ولم يتيسر لنا لقاء بعده… ولم يكن بيننا اتصال…
ولم نلتقِ في لجامعة.. اختفت تماماً تلك الأخت عن عيني… وغابت أخبارها.. وكنت آمل أن أعلم ما استجد من أمرها..
ولكن مازلت أذكرها.. ولا أنساها من الدعاء.. بأن يفرج الله كربها وييسر أمرها..
وتمضي سنة كاملة.. ولم أرها بعد ذلك اليوم..
===
وقبل يومين.. بينما كنت أمشي مع إحدى الصديقات..
فإذا بإحدى الأخوات تغمم عيني من الخلف… وتقول: من أنا؟؟!!
وكانت المفاجأة أنها صاحبتي تلك…
لم أملك دموعي من الفرح بلقياها…
وبعد السلام والتحية.. ألزمتها بالجلوس لو لدقائق لتخبرني عن حالها وما توصلت إليه.. وكانت ذاهبة إلى منزلها.. فأجلت الخروج.
_ما هذا الانقطاع؟؟ لا سؤال ولا طمأنة!!
… ماذا فعلتِ بي يا أختي!!
قالت بابتسامة عريضة:
_أبشرك انتهى الموضوع.. من أول أسبوع قابلتك فيه!!
_الحمد لله، لكن كيف؟؟
أولاً سامحيني أني لم أخبرك.. شغلتني الدنيا وأضعت رقمك.
ثانياً: مرت علي أيام مرة.. أسوأ مما تتوقعين.. وأكثر من السابق.. لكن كنت أتذكر
عبارتك بضرورة الدعاء والالتجاء إلى الله، فكنت أدعو الله دائماً في كل حين.. وأطلب
من أمي أن تدعو لي، حتى أنني أتيتها ذات مرة وأنا منهارة من كثرة البكاء وقلت لها:
أمي، صدقيني والله ليس لي ذنب.. ادعي لي يا أمي.. فتبكي معي حيناً
وتعاتبني حيناً، قائلة: هل قصرنا معكِ في شيء؟؟
هل وهل؟؟.. ولا تنتهي حتى أقسم لها بالله وأبكي..
لكن الحمد لله على كل حال وعلى ما كان.
====
في يوم من تلك الأيام انتظرت أخي الأكبر عند الباب وهو يريد الصعود إلى منزله بعد أن أتى من عمله..
ناديته بعد طول انقطاع عن رؤيته:
_أخي فلان
_نعم
_أخي هلا شربت معنا القهوة.. منذ زمن لم تمرّ بنا..
_ أنا الآن متعب ومشغول, سآتي في وقت لاحق
أخي أرجوك ادخل لو لدقائق.. اشتقت إليك.
_حسناً
ثم أجلسته بالمجلس وبقينا وحدنا.. وسرعان ما أخذت يده أقبلها ورأسه وأبكي.. وأحلف
بالله أني صادقة..
طبعاً أخي الأكبر رقيق القلب.. وهو الذي رباني بعد وفاة أبي.. أخذني إليه وبكى معي.. وأصبح كلانا يبكي..
كان أصعب موقف مر عليّ، وأجمل منظر أستشعره بعد طول غياب إخوتي عني!
وأخذت أحلف وأوضح وأقص القصة بأكملها عليه، وموقف أخواتي.. وكل شيء..
لكن أخي كان يقول لي:
_سامحيني يا أختي أنا مقصر معك, ووالله ما بعدت عنك بإرادتي، فأنت أختي واحترقت لأجلك..
وأخذ يلوم نفسه وتقصيره, وانتهزتها فرصة وشددت اللوم عليه وعلى إخوتي وقلت له:
حتى لو كنت أخطأت – ويعلم الله أني بريئة- كان من المفترض أن تساعدوني وتقفوا
بجانبي ولا تهملوني وتشددوا علي في كل شيء..
أنا أعيش في عذاب ليل نهار.. أمرض ولا تسألون، أبكي ولا تعلمون.. أموت باليوم ألف مرة ولا تشعرون..
كلكم تريدون الانتقام مني دون ذنب… إلخ
وهو لا يزيد على قوله: سامحيني يا أختي..
لكن لا أعلم صدقني أم لا… ولكني ظللت أحلف وأكرر بالموقف.. حتى يعيه ويصدقني..
مرت أيام، واجتمع الأهل كلهم بالبيت.. ووجدت من إخوتي قرباً نحوي وسؤالاً واهتماماَ بحالي ودراستي كحال زمان..
وأفرحني هذا الموقف وشعرت بأن علاقتي معهم بدأت تتحسن.. حتى أخي الذي يكبرني بقليل، والذي قاطعني وأسمعني كلاماً كالعلقم.. بدأ يسأل عني ويتحدث معي.. كأن شيئاً لم يكن..
والحمد لله بدأت العلاقة تتحسن.. وأول ما يدخلون البيت يسألون عني..
حدث أن أخبرتهم أني أحتاج إلى جهاز جوال جديد..
فأعطوني الجهاز القديم نفسه والرقم نفسه.. واستغربت حقيقة للموقف!
كنت أظنهم سيمانعون، أو حتى على الأقل لن يعطوني شريحتي نفسها!
لكن شكرت لهم الصنيع كأن شيئاً لم يكن!
تخيلي من اتصل بي مجدداً؟؟؟
_من؟
_إنه الشاب ذاته!
تذكرت كلامك, وما المفترض أن أفعل.. لكن…
أبيت إلا أن أشتمه، وأذهب حاجة نفسي، وما سببه لي من ألم..!
فعلت ولكن.. قال، وليته ما قال:
والله أنا لا أعرفك ولا أملك لكِ صورة, ولا أعرف من أنت.. لكني أقولها بكل صدق:
صديقتك فلانة هي من أعطتني هذه المعلومات عنكِ!
ونحن أناس لا نفرق بين من يكلمن الشباب وبين صديقاتهن, كلهن بأعيننا سواء، وأنا أحذرك منها… إلخ.
أعطيت الهاتف أمي وقلت اسمعي:
فعلمت أمي كل شيء..
وأخبرت إخوتي..
وكادت أن تحدث مشكلة مع أهل تلك الفتاة…
إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد.. وغيرت رقمي.. وقطعت علاقتي بتلك الصديقة
وتحسنت علاقتي مع أهلي إن لم تكن عادت كما هي
واستفدت من هذا الموقف درساً عظيماً.. لن أنساه ما حييت..
وها أن أمامك.. بأحسن حال… وأتيت اليوم لأسحب ملفي الجامعي.. فقد تزوجت بإمام مسجد وأود إكمال الدراسة بمدينة زوجي..
_الحمد لله.. على كل حال.. والحمد لله على انتهاء الكابوس.. والحمد لله على حياتك الآن…
حارت كلماتي ولا أدري ما أقول, لكني أسأل الله لكِ التوفيق.. أينما كنت وحيثما حللت.. وحفظ الله عليك بيتك الجديد..